يقول
ابن أبي العز رحمه الله تعالى في قوله تعالى: ( ((
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[البقرة:218]: فتأمل كيف جعل رجاءهم مع إيمانهم بهذه الطاعات!) يعني: إذا تجرد الرجاء من الأعمال فهو أمان كاذبة لا خير فيها، وهي التي أبطلها الله بقوله: ((
لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ))[النساء:123]، وأما الرجاء المحمود المطلوب فهو الذي يقارنه العمل.يقول: (فالرجاء إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله وشرعه وقدرته وكرامته).ثم ضرب مثالاً ليوضح الفرق بين الراجي والمتمني برجل له أرض يؤمل أن يعود له منها النفع الكثير من غلتها، فهو إما أن يجتهد فيحرثها ويسقيها ويعتني بها، ومع ذلك يرجو أن ينال منها خيراً، وهذا هو الراجي، وإما أن ينام عنها ويكسل ويتركها قاحلة ومع ذلك يرجو أن يرزقه الله منها أفضل الثمرات وأفضل الفواكه، فهذا لا يكون أبداً، وهو التمني.وكلمة
الحسن البصري رحمه الله: (لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل) قاعدة عظيمة في هذا الباب، فحقيقة الفرق بين الراجي والمتمني تظهر بالتدبر في هذه القاعدة، فإن قوماً ينتهكون محارم الله ويقولون: نحن نحسن الظن بالله. وكذبوا؛ فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل، وهذه حقيقة يشاهدها الإنسان من نفسه، فإنك إن كنت أجيراً عند من ترجو ثوابه وكرمه وإحسانه وأنت واثق من أنه يعطي ويتفضل ويجود على من يعمل عنده؛ فإن حسن ظنك هذا يدفعك إلى مزيد من الإتقان والاجتهاد والإخلاص في العمل، أما إذا كان الإنسان يعمل عند من يعلم أو يظن أنه لا يعطي الأجير ولا يوفيه حقه ولا يجود عليه؛ فإن ذلك بالضرورة ينعكس ضعفاً في العمل وفتوراً وتكاسلاً وتقاعساً عنه، وهذه حقيقة مشهودة، ولله المثل الأعلى، وكذلك العباد مع الله تعالى، فمن كان حقاً واثقاً بجود الله وكرمه فإن ذلك يورثه اجتهاداً في العمل وحياءً من الكريم ذي العطاء والجود والنعم المتواصلة أن يقابل فضله بالتقاعس والفتور فيما أمره أن يقوم به، أما من كان سيء الظن بربه -والعياذ بالله- أو كان لا يحسن الظن بالله، وإنما يعيش في أمان خادعة وغرور من السراب يأتي به الشيطان إلى النفوس الضعيفة فيضعف همتها في طاعة الله ويثبطها عن التشمير لما أمر الله، فهذا هو المذموم الذي لا يجوز لمسلم بحال من الأحوال سلوك طريقه.